أعلن تنظيم “القاعدة في جزيرة العرب” الإرهابي في اليمن تعيين خالد باطرفي زعيماً جديداً له، أول من أمس، بعد خلافات شديدة حالت دون تأكيد مقتل زعيمه السابق قاسم الريمي، وكادت تتسبب في انشقاق داخل التنظيم، الأخير.
وعلى عكس آلية التعيين التي عُرف بها “القاعدة”، والتي تشترط إجماع أعضاء “الشورى” على أي قائد جديد، أشار البيان الذي نشرته “مؤسسة الملاحم” التابعة للتنظيم إلى أنه أُخذ برأي أكبر قدر ممكن من أعضاء “الشورى”، مُبرّراً ذلك بـ”اشتداد الحرب الصليبية ضدّ الجماعة، وملاحقة طائرات العدو لها، وتداعي الأعداء من كلّ حدب وصوب”.
وأظهر حسم الخلاف على وراثة الريمي تغلّب النفوذ السعودي على النفوذ الإماراتي داخل التنظيم. فالزعيم الجديد، خالد باطرفي، المُلقّب بـ”أبو المقداد الكندي”، لم يعمل، منذ انضمامه إلى “القاعدة”، بعيداً من الأجندة السعودية، كما لم يتّخذ أيّ موقف مناوئ للمملكة مثلما فعل آخرون كمحمد العوفي وسعيد الشهري، من ضمن أكثر من 133 قيادياً نقلتهم المملكة من معتقل “غوانتنامو” الأميركي إلى الأراضي اليمنية خلال العقود الماضية.
وباطرفي، المولود في مدينة الرياض عام 1979، والدارس على أيدي العديد من المشائخ الوهابيين كابن باز وابن عثيمين، التحق عام 1999 بصفوف التنظيم في أفغانستان، حيث قاتل إلى جانب طالبان ضدّ |التحالف الشمالي| لمدة ثمانية أشهر، قبل أن يعود إلى السعودية.
وقبيل هجوم 11 أيلول/سبتمبر، عاد باطرفي إلى أفغانستان، ومنها غادر إلى باكستان عام 2002، حيث حاول التسلّل عبر إيران. إلا أن السلطات الإيرانية سرعان ما كشفت محاولة التهريب تلك، واعتقلت باطرفي مدة شهر ونصف شهر، تدخّلت عقبها الرياض لدى طهران من أجل الإفراج عنه وترحيله إلى اليمن مع آخرين، من أبرزهم ناصر الوحيشي المُكنّى بـ”أبو بصير”، والذي تقلّد زعامة التنظيم في ما بعد.
ومع وصوله آنذاك إلى مطار صنعاء، تعرض باطرفي، الذي وضعته الخارجية الأميركية على قائمتها لـ”الإرهابيين العالميين” عام 2018 وأعلنت الشهر الجاري مكافأة مالية لمن يدلي بمعلومات عنه، للاعتقال، قبل أن يفرج عنه بضغوط سعودية عام 2004، ليعاود ممارسة نشاطه في المحافظات الجنوبية خصوصاً، التي تحول عدد منها، برعاية سعودية، إلى مرتع لـ”القاعدة”.
وفي عام 2010، ظهر باطرفي كـ”أمير” للتنظيم في “إمارة أبين” جنوب البلاد، وقاد العمليات العسكرية ضدّ القوات الحكومية في وقتها. وبعد عام من ذلك، اعتُقل في أطراف مدينة تعز بينما كان في طور تأسيس أذرع جديدة لـ”القاعدة” في البلاد، ونُقل من تعز إلى سجن الأمن السياسي في العاصمة صنعاء، حيث حُكم عليه بالسجن ثماني سنوات. لكن السفارة السعودية تدخّلت لدى السلطات اليمنية لنقله مع عدد كبير من عناصر التنظيم إلى السجن المركزي في مدينة المكلا (مركز محافظة حضرموت)، والذي فرّ منه مع 36 عنصراً مطلع العام 2015. فرار سرعان ما أعقبته صفقة رعتها السعودية بين المعسكرات التابعة لعلي محسن الأحمر و”القاعدة”، أسفرت عن تسلّم باطرفي في نيسان/أبريل من العام نفسه حكم المكلا، حيث ظهر في القصر الجمهوري وهو يسقط علم الجمهورية اليمنية ويدوسه برجليه.
وفي خلال ذلك، أعلن باطرفي وقوف التنظيم إلى جانب القوات الموالية لتحالف العدوان في مختلف الجبهات، مبرراً موقفه بـ”الدفاع عن السنّة”. وفي نيسان/ أبريل 2016، انسحب ومقاتليه من المكلا باتجاه محافظة شبوة، مسلماً المدينة لقوات “التحالف” من دون قتال، لتتوالى لاحقاً عمليات التسلّم والتسليم في غير منطقة، بموجب صفقات سرّية عقدها التحالف مع “القاعدة” وتكشّفت فصولها تباعاً.
استطاع باطرفي، في صعوده إلى زعامة “القاعدة”، تجاوز منافسه الأبرز سعد بن عاطف العولقي، المنحدر من محافظة شبوة، والمقرّب من الإمارات. كما تغلّب على معارضته من قبل عدد كبير من قيادات التنظيم، يتهمونه بحسب مصادر مقربة من “القاعدة” بالوقوف وراء مقتل الريمي، عبر القيادي المقرب منه عمر النهدي، الذي أخرج الريمي من مخبئه في منطقة قيفة في محافظة البيضاء إلى محافظة مأرب قبيل مقتله بأيام.
ووفقا للمصادر، فإن تلك الاتهامات بالتآمر على الريمي بهدف عودة سيطرة الجناح السعودي على التنظيم هي السبب في تأخير إعلان “الخليفة” قرابة ثلاثة أسابيع. وقبيل الإعلان، تحدثت مصادر محلية عن انتشار كثيف لميليشيا “النخبة الحضرمية” في ضواحي مدينة المكلا، في أعقاب تلقي السلطات المحلية تهديدات من “القاعدة” باستعادة السيطرة على المدينة.
وجاءت تلك التهديدات إثر عودة باطرفي من زيارة قصيرة لمأرب، حيث وجّه العشرات من عناصر التنظيم بالقتال إلى جانب قوات “التحالف”.